دكتور محمود محيي الدين: الانضباط المالي يستلزم وحدة الموازنة ورفع كفاءة المنظومة الضريبية وتحفيز والإدخار
الرأي العامأكد الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة، أن مصر قادرة على أن تنفذ برنامجًا متكاملًا للإصلاح الاقتصادي الكلي والعام ودفع النمو والاستثمار يجعلها في غنى عن الدخول في برنامج خاص مع صندوق النقد الدولي مع نهاية البرنامج الحالي في ٢٠٢٦.
وقال محيي الدين، في حديث لبودكاست "الحل إيه" مع رباب المهدي، إن ضمان استمرار النجاحات التي يشهدها برنامج صندوق النقد يستلزم العمل على وضع هذا البرنامج الوطني وآليات تنفيذه من الآن بما يمكن من السيطرة على الدين وتخفيض معدل التضخم ويحقق الإصلاحات الهيكلية.
وأشار محيي الدين إلى أن التشكيل الحكومي الجديد تحت رئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، أعلن عن رؤى تساهم في وضع مصر على الطريق الصحيح لمرحلة ما بعد التخارج من البرنامج الحالي لصندوق النقد الدولي، قائلًا إن مصر بلد كبير به ٢٧ محافظة هي بمثابة ٢٧ محركًا قويًا لسفينة الاقتصاد المصري بما لديها من إمكانات وموارد وقوى بشرية، ويحتاج تشغيل هذه المحركات على النحو الأمثل دورًا رقابيًا وإشرافيًا فعالًا للدولة، وضمان حرية المنافسة بين اللاعبين الاقتصاديين وتوسيع نطاقها.
وأوضح محيي الدين أن الاقتراض من صندوق النقد الدولي يجب أن يرتبط بأولويات الدولة المقترضة والرؤية الوطنية المتكاملة والسياسات الاقتصادية العامة للدولة حتى يمكن أن يساهم نجاح برامج الصندوق مع الدول في زيادة النمو والتنمية ودفع عجلة الاستثمار.
وأفاد بأنه عادةً ما يكون أمام الدول بدائل لتمويل النمو والتنمية، البديل الأول هو تنظيم السياسات الاقتصادية الداخلية على النحو الذي يجعل الدولة في غنى تام عن الاستدانة، وهو ما يحدث في حالات الدول الغنية، البديل الثاني يأتي في حالة تعرض الدولة لعثرات اقتصادية لكنها تستطيع وضع برنامج إصلاح وطني مضاهي لبرامج صندوق النقد وتضعه في إطار متكامل للنمو الاقتصادي وتسترشد بالمعايير الدولية لتطبيقه بهدف تحقيق الإصلاح النقدي والمالي وإصلاح الاقتصاد الكلي.
وأضاف أن البديل الثالث يأتي في حالة عدم توافر الموارد المالية أو البشرية التي تساعد على وضع برنامج وطني للإصلاح الاقتصادي، حيث تلجأ الدول للبرامج النخبوية لصندوق النقد خشية الدخول في مرحلة الأزمة الاقتصادية، أما البديل الرابع فيأتي في حالة تعرض لأزمة اقتصادية ومن ثم يتم اللجوء لبرامج مع الصندوق تستهدف التثبيت والاستقرار النقدي والمساندة، وفي هذه الحالة يجب على الدول أن تضع أسس النمو والتنمية التي تمكنها من التخارج من برامج الصندوق والخروج من حالة الأزمة.
وقال محيي الدين إن مصر كان لها تجربة ناجحة مع صندوق النقد الدولي عام ١٩٩١، ثم وضعت برنامجًا وطنيًا ناجحًا لدفع الاقتصاد وإصلاحه عام ٢٠٠٤ دون اللجوء للصندوق، وهو ما مكّن الاقتصاد المصري من الصمود في مواجهة الأزمة المالية العالمية في عام ٢٠٠٨، غير أن عوامل الاضطرابات السياسية والاقتصادية في عام ٢٠١١ وما بعدها، وما أدت إليه من انفلات أمني وتراجع المؤسسات وعدم توافر الموارد جعل من الصعب وضع برنامج وطني للإصلاح الاقتصادي دون اللجوء لصندوق النقد الدولي، وبحسب مؤشرات الصندوق فإن البرنامج الأول مع مصر (٢٠١٦ - ٢٠١٩) حقق نجاحًا، لكن تعاقب الأزمات منذ عام ٢٠٢٠ وفي مقدمتها جائحة كورونا ثم الحرب الروسية والأوكرانية لم يساعد على تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وهو ما دفع نحو الدخول في برامج جديدة مع الصندوق.
وقال محيي الدين إن العام الأول من برنامج صندوق النقد الدولي الحالي مع مصر (٢٠٢٢ - ٢٠٢٦) مر بصعوبات بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية إلى جانب بعض العوامل الداخلية، لكن البرنامج سار بشكل جيد في عامه الثاني (٢٠٢٣ - ٢٠٢٤)، وصدرت عن الصندوق مؤشرات جيدة عن أداء الاقتصاد المصري وقدرته عند التخارج بعد عامين على أن يكون أعلى نموًا وأقل تضخمًا وأقل كذلك من حيث المديونية الخارجية مع ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي.
وأفاد بأنه بحسب هذه المؤشرات يكون الوضع الاقتصادي في مصر مع نهاية البرنامج بعد عامين أفضل مما كان عليه في السنوات السابقة وحتى يومنا هذا، وهو ما يؤهله لتقليل الديون الخارجية وتعبئة الموارد المحلية وزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية.
ولفت إلى أن استقرار النجاح الاقتصادي بعد التخارج من برنامج صندوق النقد يتطلب الاعتماد على القطاع الخاص بشكل أكبر في تحقيق النمو، وتوسيع نطاق الاستثمار جغرافيًا وعلى مستوى القطاعات، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في القطاعات المختلفة، وإيجاد عمل مؤسسي يضمن حرية المنافسة ويمنع الممارسات الاحتكارية ويعزز حماية المستهلك، والعمل وفق بيانات ومعلومات محدثة تساهم بفاعلية في عملية اتخاذ القرار.
وشدد محيي الدين على أهمية مبدأ وحدة الموازنة لتحقيق الانضباط المالي، وضرورة رفع كفاءة تحصيل الإيرادات الضريبية وتعظيم استفادة المواطن من هذه الإيرادات، ومراجعة وتحفيز منظومة وأنماط الإدخار على كافة المستويات والقطاعات مع تطوير الأوعية الإدخارية.
وبسؤاله عن أولوية التمويل وهل يتجه نحو الاستثمار في البشر ومجالات الصحة والتعليم أم إلى مشروعات البنية الأساسية، قال محيي الدين إن أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر والتي تشمل مكافحة الفقر والتعليم والصحة وتحسين البنى الأساسية والمساواة بين الجنسين وما إلى ذلك تعد جميعها منظومة واحدة يساهم تحقيق الهدف الواحد منها في تحقيق غيره من الأهداف، وبالتالي فإن الاستثمار في البنى الأساسية والمرافق يساهم في مكافحة الفقر وتحسين حياة البشر شأنه في ذلك شأن الاستثمار في مجالات التعليم والصحة.