مقالات

مؤشرات اقتصادية مطمئنة

الرأي العام


ربما يحسب البعض أننا وغيرنا نبالغ أو نجامل حين نكتب متحدثين عن مؤشرات اقتصادية إيجابية. وقد نلتمس بعض العذر لهذا المنتقد حين يقول إن أي مؤشر اقتصادي إيجابي لا نلمس له نتائج على أرض الواقع فهو كأن لم يكن، إذ المفترض أن يشعر رجل الشارع بهذا التحسن في معاملاته اليومية وأن تلمس ربة المنزل مردود هذا التغيير كلما ذهبت لشراء احتياجاتها اليومية من السوق أو السوبر ماركت. نعم أنا معكم فيما تذهبون إليه، لكن هذه المؤشرات هي مبشرات نتلمس منها أننا نتحرك في الاتجاه الصحيح نحو الصعود، وليس العكس.
و إذا كانت لغة الأرقام تقول إننا لم نصل بعد لكامل الطموح الذي نبتغيه والذي يستحقه شعبنا، إلا أنه من حقنا أن نسعد وأن نبتهج فقد عرفت مؤشراتنا طريقها الإيجابي إلى الأعلى وليس العكس، وتلك ضربة بداية لها ما بعدها بعون الله ثم بجهد الجميع قيادة وحكومة، وقبلهما يأتي دور الشعب العظيم الذي هو هدف التنمية وصانعها في ذات الوقت.
أرقام كثيرة مبشّرة صرّح بها المسئولون ونشرتها هيئة الاستعلامات مساء الاثنين، ولكنني أتوقف مبدئيا عند رقم واحد أراه كفيل ببث الأمل وتفسير حالة الطمأنينة التي أشعر بها مع غيري من المتابعين للشأن الاقتصادي. وهنا أقتبس من الخبر المنشور على موقع هيئة الاستعلامات، إذ " كشف مصدر رفيع المستوى بالبنك المركزي عن تراجع الدين الخارجي لمصر ليسجل 153،86 مليار دولار أمريكي في نهاية مايو 2024 مقابل 168،03 مليار دولار أمريكي في نهاية ديسمبر 2023 بانخفاض قدره 14،17 مليار دولار بنسبة تقدر بحوالي 8،43 % مشيرا إلى أن هذا الانخفاض خلال فترة الخمسة أشهر محل المقارنة يعد الأكبر حجما في تاريخ المديونية الخارجية على الإطلاق " انتهى الاقتباس.
قد يقول قائل: أكاد أسمع صوتك مبتهجا، فما الذي يدعوك لكل هذه السعادة ؟ أجيب من يسألني وأقول لمن يراني مبالغا: مخطئ من يحسبها سعادة مبالغ فيها لمجرد سداد دولة - بحجم مصر لها وزنها- لالتزاماتها. فالمنصف سيرى معي أن أي بلد يتعرض لما تواجهه مصر منذ عدة سنوات من ظروف سياسية محيطة على حدودها في كل الاتجاهات، ثم تجدها رغم كل هذا تدبر ما يزيد على 14 مليار دولار للوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين، فهي تحقق ما يمكن وصفه بالمعجزة الاقتصادية. ضعوا في اعتباركم تلك هي الظروف السياسية على الساحتين الإقليمية والدولية، وهي الظروف التي كان لها تداعياتها المؤثرة على الأوضاع الاقتصادية بما في ذلك مصادر الدخل من العملات الأجنبية وأهمها عوائد قناة السويس، وكذلك الموارد الدولارية التي تجلبها السياحة، أفلا يدعو هذا إلى السعادة أو على الأقل إلى الاطمئنان على حال اقتصادنا الوطني ؟
ثم حين نضع في حساباتنا هذه الملايين العشرة من ضيوف مصر - كما يسميهم السيد الرئيس - من الجاليات العربية الشقيقة، وما يفرضه هذا العدد المذهل من أعباء تزايدت على الموازنة العامة للدولة لتوفير مواد غذائية وسلع أساسية، ومعظمها مواد نستوردها بالعملة الأجنبية. ثم تجد بعد كل هذا حكومة حريصة على عدم اقتراض مزيد من الديون حفاظا على موارد الأجيال القادمة، ليس هذا فحسب، بل إنها تزيد على هذا وتنجح في سداد التزاماتها بمعدل مقبول وسط أزمة اقتصادية طاحنة تعاني تبعاتها معظم الاقتصاديات العالمية حتى في دول عظمى تمثل العالم المتقدم وليس فقط الدول النامية.
هنا أجدني في قمة السعادة، ولكنني في الوقت نفسه أمّني نفسي بمزيد من الاستقرار الاقتصادي الذي تنعكس مؤشراته عمليا على حياة المواطنين وخاصة تلك الطبقات الاجتماعية الدنيا التي عانت كثيرا خلال السنوات الصعبة منذ 2011، وهي اليوم تتطلع إلى تحقيق أملها في جني ثمار جهود الإصلاح التي تخوضها الدولة على مدار عشر سنوات مضت، منذ 2014 وحتى يومنا هذا. إذن أعطوا أنفسكم الفرصة للتفاؤل وانتظار الأفضل بجهد المخلصين وبحسن تخطيط المسئولين، وقبل هذا كله بمعونة رب العالمين.

الاستثمار